• 9 تشرين الثاني 2025
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : د. حسين الديك

لقد شكل فوز زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك دلائل مهمة وكبيرة وعكس تحولات جذرية وعميقة تحصل في المجتمع الأمريكي ، هذا التحولات اصبحت تظهر انطلاقا من القاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي مرورا بمؤسسات الحزب ووصولا الى قيادة الحزب ونخبه السياسية وهذا مؤشر على سيطرة التيار التقدمي والجيل الشاب على القرار السياسي داخل الحزب.

لقد جاءت الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي لتعكس هذا الاندفاع الكبيرة للقاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي نحو الجيل الشاب فكان فوز ممداني بترشيح الحزب الديمقراطي هو التحول الأول والكبير ، ورغم ترشح اندرو كومو كمرشح مستقل في مواجهة ممداني الا ان ممداني استطاع الفوز في انتخابات عمدة المدينة ،  وهذا يؤكد هيمنة التيار التقدمي اليساري على الحزب الديمقراطي، وهو التيار الذي يمثل فئة الشباب والأقليات المختلفة، بالمقابل، لم يتمكن التيار التقليدي أو الحرس القديم للحزب من إيصال مرشحة إلى منصب عمدة نيويورك رغم الدعم الكبير والإمكانات المالية التي وضعت تحت تصرفه ولدعمه.

 أن فوز ممداني يعكس قدرة التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي على قلب الطاولة وتحقيق إنجازات ملموسة على الأرض، إذ استطاع هذا التيار استقطاب دعم فئات كبيرة من الأقليات، بما في ذلك العرب والمسلمين واللاتين واليهود اليساريين والتقدميين، وعلى الرغم من  أن نيويورك، أكبر تجمع سكاني لليهود خارج إسرائيل، لكنهم صوتوا لصالح ممداني  بسبب توافق رؤيته مع تطلعاتهم سواء على الصعيد الداخلي أو القضايا المحلية للمدينة، وتركيزه على القضايا اليومية التي تهم المواطنين المحليين، مثل الإيجارات، والعقارات، والوظائف، والمواصلات، والأجور ومستوى المعيشة، بعيدًا عن السياسة الخارجية والعلاقات مع إسرائيل، فمنصب  العمدة يركز أساسًا على الخدمات المحلية وليس على السياسة الخارجية، ولكنه يشكل مؤشرا على تحولات الراي العام الامريكي في السياسة الخارجية مستقبلا. 

لقد أصبح  الجيل الشاب في  الحزب الديمقراطي يمتلك إرادة سياسية حقيقية تؤثر في القرار السياسي للحزب، ويعيد تشكيل مواقف الحزب نحو مزيد من العدالة والتوازن، بما في ذلك الموقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفوز ممداني يعكس رفض قاعدة الحزب الديموقراطي الشابة سياسة الحزب التقليدية الداعمة لإسرائيل بشكل مطلق، وتوجهها نحو الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، وهو مؤشر على قدرة الجيل الشاب على تغيير موازين القوى داخل الحزب، وفي السياقات الانتخابية القادمة  فهذا الإنجاز يمثل مؤشرًا على تحولات مرتقبة في الحزب الديمقراطي، خاصة في الانتخابات النصفية المقررة في نوفمبر 2026، والتي تشمل تجديد كامل مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ. 

فلقد كانت  المعركة الانتخابية  في نيويورك معركة ديمقراطية بحتة (أي في الحزب الديمقراطي) بين جناحي الحزب ، وليس مواجهة بين الديمقراطيين والجمهوريين، حيث انتصر الجناح التقدمي بفوز ممداني، ما يعكس قدرة الجيل الشاب على فرض نفسه على السياسة المحلية وتحديد أولويات الحزب في المستقبل، وربما يؤثر أيضًا على الانتخابات الرئاسية عام 2028.

ان فوز ممداني يعتبر إنجازًا تاريخيًا يفتح الباب أمام ظهور قادة جدد من الجيل الشاب داخل الحزب الديمقراطي، ويعكس تحولًا جذريًا في الديناميات الداخلية للحزب نحو مواقف أكثر اعتدالًا وعدالة، مع تأكيد على القضايا المحلية والخدماتية للمواطنين، وهو ما يمكن اعتباره مؤشرًا واضحًا على اتجاه الحزب نحو مزيد من التقدمية في السنوات القادمة.

من جانب آخر لازالت المعركة صامته في الحزب الجمهوري ما بين تيار ماغا الرافض للسياسات التقليدية للحزب الجمهوري وما بين الصقور في الحزب والمحافظون الجدد الذين يتمسكون بسياسة الحزب الداخلية والخارجية وخاصة دعم اسرائيل، وقد نلاحظ الشيء نفسه في الحزب الجمهوري كما حصل في الحزب الديمقراطي بسيطرة تيار ماغا وفرض أجندته على الحزب قريبا.