• 21 آيار 2025
  • مقابلة خاصة

كتب الناشر  محمود خلف

 

بكل أسى، أكتب هذه الكلمات بعدما تواصل معي عدد من الزملاء الناشرين، لا لعرض كتاب جديد أو مشروع ثقافي واعد، بل لعرض دور نشرهم للبيع! نعم، مؤسسات ثقافية كاملة تُعرض للبيع بعدما ضاقت سبل الرزق، و تكثفت الضغوط، وتلاشت الآمال.

منهم من له في المجال أكثر من عشر سنوات، ومنهم من دخلها بأحلام كبيرة منذ ثلاث سنوات أو أقل، والنتيجة واحدة: خسائر متتالية، غياب الدعم، تراجع القراءة، ارتفاع التكاليف، وتجاهل تام من الجهات المعنية. هؤلاء لم يكونوا مجرد تجار كتب، بل كانوا حراسًا للهوية الثقافية، جنودًا مجهولين يدفعون من جهدهم ومالهم وراحتهم في سبيل أن يبقى للكتاب مكان في هذا العالم الصاخب.

الأسوأ من ذلك أن المسؤولين عن الثقافة، وأصحاب القرار، لا يشعرون بما يجري بل يبحثون عن مصالحهم، أو ربما يشعرون ولكنهم لا يبالون. فلا يوجد دعم حقيقي الا وتم السطو عليه، ولا مبادرات لحماية هذه الصناعة الا وتقسمت تورتتها.

وما يزيد الجراح عمقًا أن هناك من يتربح من معاناة الآخرين، فبعض أصحاب المصالح، ممن يملكون النفوذ والمناصب، يستفيدون من الدعم والمبادرات الحكومية، ويتصدرون المعارض، ويحتكرون الفرص، دون أن ينعكس ذلك على تطوير المهنة أو دعم صغار الناشرين. نهبٌ منظم لموارد كان من المفترض أن تُخصص لدعم هذه الصناعة المنهكة، وسط صمت مريب وتواطؤ غير مبرر. لا يبالون بما آلت إليه المهنة، ولا بما تحمله مراكزهم من مسؤولية أخلاقية وثقافية 

ما يحدث اليوم جرس إنذار، وإذا لم يُسمع، فسنجد أنفسنا بعد سنوات أمام جيل لا يعرف الكتاب، ولا يثق بالمعلومة، ولا يهتم بالثقافة.

أقولها بكل وضوح: إنقاذ صناعة النشر ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية وثقافية. لا بد من تدخل عاجل، لا بد من استراتيجيات طويلة الأمد، لا بد من إيمان بأن الكلمة المكتوبة لا تزال قادرة على البناء والتغيير.