- 25 حزيران 2025
- مقابلة خاصة
القدس - أخبار البلد - كتب المحرر الثقافي :
من منا في القدس لا يعرف "عادل الترتير" تلك الشخصية المميزة شكلا وحضورا ، من منا لم يشاهده على خشبة المسرح في الفن ، هذه الشخصية لها بصمة واضحة بل وعميقة في الحياة الثقافية والفنية المقدسية والفلسطينية عامة ، ولكنه في السنوات الأخيرة اختفى عن المشهد الفني المقدسي، ولهذا كان ما كتبه الكاتب المبدع " زياد خداش" في صحيفة الايام الفلسطينية له وقع كبير على نفوس الكثير من المقدسيين ومن الجيل الذي عايش النهضة الفنية المسرحية التي شهدتها القدس التي كانت القلب النابض ونقطة الالتقاء لكل فناني الوطن من جنين وحتى غزة .
ويسعدنا في " أخبار البلد" المقدسية ان نعيد نشر تفاصيل الزيارة والحوار الذي اجراه الصديق " زياد خداش" مع الفنان " عادل الترتير" من باب الشكر والتقدير لهذا الفنان .
يجلس المسرحي الكبير عادل الترتير في برندة بيته قرب دوّار سرية رام الله، ليس بعيدًا عن ملعب "السرية"، حيث قدّم مسرحيته الشهيرة "راس روس" عام 1980. يتحدث عادل ببطء بسبب المرض، ويكمل عنه ابنه علاء، مستعيدًا سياق المسرحية، جمهورها، وتفاصيل حبكتها.
"هي أول مونودراما فلسطينية في تاريخ المسرح الفلسطيني"، يقول علاء، بفخر ظاهر بأبيه، الذي يُعدّ أحد أهم مؤسسي المسرح المحلي. حضر العرض أكثر من 1500 شخص، واستمر لثلاث ساعات كاملة.
ذلك كان في الثمانينيات...
تخيلوا: قبل الموبايل والفيسبوك، قبل تيك توك والذكاء الاصطناعي والتلغرام.
كان الناس يجلسون معًا، حشودًا متلاصقة، كتفًا إلى كتف، وابتسامة مقابل ابتسامة.
يعودون إلى بيوتهم محمّلين بجبل من الصداقات والانطباعات.
يقول علاء:
"أشخاص كثيرون، في الستين من أعمارهم، يوقفونني في الشارع ليسألوا:
كيفك يا علاء؟ وين عادل؟ اشتقناله!
أنا حضرتله وأنا صغير، مسرحية طويلة، استمرت ثلاث ساعات.
وكان لوحده يمثّل… مع دمى من صنع يديه!"
ابتكر عادل دماه من الإسفنج ومواد بسيطة. وقرر أن يعمل وحيدًا، بعد أن فشل في إقناع الآخرين بأهمية العمل الجماعي. وبسبب عدم التزام بعض الفنانين بالمواعيد واستهتارهم بالوقت.
يروي عادل، بصوته المتهدّج، قصصًا حزينة عن كسل بعض الفنانين وعدم جديتهم في العمل .
غادرهم سريعًا… إلى منصته المتنقلة، إلى عرقه وجهده، وإيمانه الهستيري بالمسرح.
في هذه اللحظة، تتدخل زوجته (أم علاء) لتكمل القصة. في سياق آخر :
"كنت حامل بابنتي حنين، وجاء موعد ولادتي.
كان عادل مشغولًا ببروفة مسرحية.
قال لي: ‘اذهبي، وسألحق بك’…
ولم يحضر لحظات ما قبل الولادة.
لكنه جاء بعدها، بعد أن سطع وجه ابنته التي يحبها كثيرًا."
بين الضحك والحب والذكريات، دار الحديث بين أم علاء وعلاء، وبيننا نحن، زوّاره في هذا النهار المسرحي العائلي.
سألته:
كيف صنعت الدمى يا عادل؟
ابتسم. ثم قال:
"الدمى كانت امتدادًا لي… لصوتي وشخوصي وأحلامي.
مسرحية ‘راس روس’ هي سرد رمزي، كوميدي ساخر، عن إنسان فلسطيني بسيط ومنسي، يُدعى فقط بـ‘راس روس’.
الاسم نفسه مأخوذ من كتب القراءة القديمة:
(راس روس، دار دور، سوس دب)...
تجريد مقصود لهوية البطل، وانعدام لمكانته في المجتمع."
تبدأ المسرحية بسرد يوميات زبّالٍ منبوذ، يسأل نفسه: لماذا يُرفض؟
يواجه كل من يهينه، يتجاهله، يحتقره.
يحاول أن يثور، يضحك، يحلم، يحب…
لكنه يعود دائمًا إلى نقطة الانكسار.
في النهاية، ينهار كل شيء:
الأب، الحبيبة، الأحلام…
وتسقط الدمى في مشهد فوضوي مليء بالعبث والرمزية.
وحده صوت الشارع، وضوءٌ من الخارج، يوحيان بأن هناك شيئًا يتحرّك...
ربما الانتفاضة؟ ربما الوعي الجماعي؟
مثّلت الدمى شخصيات مثل: الجندي، الأب، أبو شخّة، أبو علي، المرأة الأرستقراطية، الطفلة، أبو كرش، الحبيبة.
ويقول عادل مازحًا:
"كانت الدمى تسقط أحيانًا أثناء العرض أو تميل.
كنت أرتجل كلامًا يُبرر سقوطها، وكأنها تعبَت أو نامت.
الجمهور كان يتفاعل ويضحك، وأنا كنت أُقاوم السقوط معهم.
أسأل عادل سؤالا مؤلما اندم عليه لاحقا: لماذا لا يوجد دوائر مسرح في الجامعات الفلسطينية يا عادل . يتوتر وتزداد حمرة وجهه ويطلقها ساخنة ومتعبة: آه آه. فأسحب السؤال هاربا الى موضوع آخر. بعد أن تذكرت أن عادل مريض قلب.
كل الصحة والحياة لعادل الحبيب.