• 17 أيلول 2023
  • ثقافيات

 

 

 

بقلم : لبابة صبري

يقوم الكاتب بإثارة إهتمام القارىء من خلال التكنيك المستخدم في نص الرواية؛ وذلك بإبتداع قصة بطلها ميشيل عوّاد، ويقوم الكاتب بالتحدّث مع البطل لكتابة رواية يكون فيها البطل نفسه ولكن بإسم آخر هو نضال الرّجعي. ويحدث جدالًا بين الكاتب والبطل ميشيل عوّاد حول طريقة خلق شخصيّة نضال الرّجعي؛ حيث يعيش البطل ميشيل عوّاد الوحدة والقلق في غزّة، ويكون قلقًا من الأحداث التي سيواجهها والتي سيؤول إليها شخصه نضال الرّجعي، ويسأل الرّاوي إنْ كانت نهايته الموت. لتضحى شخصيّة نضال الرّجعي من الخيال، ويقوم الكاتب الرّاوي في نهاية الرواية بتوحيد مصير شخصيّة البطل ميشيل عوّاد ونضال الرّجعيّ وهو التوجّه إلى المقاومة والقتال ثمّ الموت.

وبهذا يواجه القارىء نصًا يبتدعه الكاتب بحيث يعالج السرد فيه ويخلق نصًا يلبّي متطلّبات الشخصيّتيْن الموجودتيْن (ميشيل عواد ونضال الرجعيّ) في الرواية واللتان تعبّران عن البطل نفسه " الغزّاويّ المسيحيّ".

يقوم البطل ميشيل عوّاد بالتدخّل في مسار السرد ويشير إلى الإسترتيجيّات التي يستخدمها الكاتب، وبذلك فهو يؤثّر على التكنيك القصصي التقليدي الذي يتبنّاه الكاتب ويبتدع نوعًا من الريبورتاج المعقّد؛ بحيث يتوجّب على القارىء أن يستكشف القصّة الحقيقية من الكاتب نفسه، وأيضًا من الحوار الذي يجريه الكاتب مع البطل ميشيل لإستكشاف قصة البطل نضال الرّجعيّ. وجدير بالذكر أنّ الكاتب الأمريكي روجر آلن قد تناول موضوع التكنيك القصصي التقليدي والريبورتاج المعقّد في دراسته لرواية "عالم بلا خرائط" للروائييْن جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف.

تميّزت رواية الملاحق المسيحيّ الأخير بتقديم عالم متخيّل يوحي بالتفكيك من خلال التعبير عن شخصيّة البطل بلغة رمزية مشحونة على أنّ البطل يعيش في مجتمع لا يشعر به بالإنتماء أو بوجود هدف ما في حياته، ويعاني من التمزّق والغربة، وهذا يعكس هوية مجتمعية مسكونة بهواجس الموت والدّمار. وحين يعيش البطل تحت وطأه هذه الهواجس سيكون أمامه عدة خيارات منها: مقاومة هذا الوضع، الصمت، الهجرة أو الموت. وقد تناول الكاتب الخياريْن الأخيريْن: فإمّا الهجرة أو الموت؛ حيث تتحدّث الرواية الضمنيّة (بطلها نضال الرّجعيّ) عن صراع وجود الفلسطينيّ الغزّاويّ المسيحيّ؛ فإما أن يبقى في غزة وينال ما يُطال من قذائف الإحتلال الإسرائيلي أو يهاجر غزة. يحاول الكاتب إقناع البطل أن يعدل عن فكرة الهجرة وأن يبقى في غزّة، من خلال مراقبة الفتاة جان دارك الأجنبية التي زارت غزّة وأحبّت شاب من غزّة وقرّرت أن تتزوّجه وتعيش في غزة. ويتّضح في آخر الرواية والتي بطلها ميشيل عوّاد أنّ جان دارك تحبّه هو وتتزوّجه وتنجب منه إبنة.

يشير الكاتب إلى جملة من العلاقات الإنسانية التي تتمحور حول الأرض والنضال، إنطلاقًا من العلاقة بين المجتمع الغزاويّ وسياسات الإحتلال في غزة؛ حتى يصل الكاتب إلى الموقف المقاوم الذي يوحّده النضال، والمقاومة في كثير من الأحيان تؤدي إلى الموت؛ فقد عبّر الكاتب عن الموت بأنّه كفاكهة الصيف تنتشر على أرصفة الشوارع؛ كل يوم شهداء ومصابون، وفي موقع آخر في الرواية يشير الكاتب إلى أنّ الموت له مئات الطرق.

أما الحياة فلها وجه واحد هو السعادة والحب عبّر عنه الكاتب من خلال علاقة البطل بالفتاة الأجنبية جان دارك؛ بدأت العلاقة في خيال البطل وحلمه، وفي آخر الرواية تحقّق حلمه؛ كأنّ الكاتب يهدف إلى إبراز الوجه المشرق لدى الإنسان الفلسطيني بشكل عام وفي غزة بشكل خاص، وأنّ لديه القدرة لتحقيق الحلم الفلسطيني من خلال النضال والمقاومة. 

لقد عاش البطل الصراع بين الحياة والموت، تحقّقت متطلّبات الحياة وهي السعادة والحب لدى البطل بزواجه من حبيبته، وتحقّق أيضًا الموت؛ حيث أنّ تعرّض بيت البطل للقصف واستشهاد والده دفعه إلى المقاومة والتوجّه إلى قتال جنود الإحتلال، أي الدخول في الصراع، وهذا يذكّرنا بالذلّ والمهانة التي تعرّض لها البطل سعيد في رواية عائد إلى حيفا لغسان كنفاني، ممّا دفع البطل إلى القبول بذهاب إبنه خالد للمقاومة والقتال. إنّ نهج المقاومة الذي تبنّاه غسان كنفاني في ستينات القرن العشرين نراه جليّا في رواية المُلاحق: المسيحيّ الأخير للكاتب هاني السّالمي في عشرينات القرن الواحد العشرين، وهذا إن دلّ على شيء؛ فهو يدلّ على قوة النّهج المقاوم الكنفاني في الأدب الفلسطيني. على الرّغم من إصدار عدة روايات أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين تلمّح إلى إمكانية بناء علاقة سلام بين الفلسطيني واليهودي الإسرائيلي قوامها الإنسان، مثال ذلك روايات سحر خليفة "ربيع حار" 2004، و"أصل وفصل" عام 2009. ورواية واسيني الأعرج "سوناتا لأشباح القدس" عام 2009، وذلك حسب دراسة قامت فيها الكاتبة اللبنانية يمنى العيد.

إنّ استخدام الكاتب للنّهج المقاوم الكنفاني في روايته كان جسرًا يصل غزة بالقدس من خلال القطعة الخشبية التي جلبها من باب القدس، والتي لم تطلها الآليّات العسكرية الإسرائيلية عندما هدمت بيت البطل، قال البطل لأبيه حال استشهاده: أبي أبي لازالت القطعة الخشبية في يدي"؛ هذه القطعة تشير إلى قوّة الترميز للعلاقة بين الأحداث التي تجري في القدس وغزة؛ حيث تقوم غزة بمسح دموع القدس، مثال ذلك ما قانت به المقاومة في غزة "معركة سيف القدس" ردًّا على  الإعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى وحيّ الشيخ جرّاح في القدس.  

وأخيرًا، تميّزت رواية هاني السّالمي بقوّة الترميز والتعبير، ولم تنتهِ الحكاية عند موت البطل؛ ففي نهاية الرّواية يأتي فوج من طلبة المدارس لزيارة قبر البطل المسيحيّ والتعرّف عليه ليكملوا المشوار بالمقاومة على الرّغم من المعاناة المستمرّة، وأنّ القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية لا تفرّق بين المسيحي والمسلم، بل توحّدهم بالنضال والمقاومة من أجل تحرير الوطن.

 

المراجع

آلن، روجر (1997). الرواية العربية: مقدّمة تاريخيّة ونقديّة. ترجمة: حصّة إبراهيم المنيف. مصر، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة. ص 173-174.

العيد، يمنى (2011). الرواية العربية: المتخيّل وبنيته الفنّية. بيروت: دار الفارابي.