• 18 آيار 2025
  • ثقافيات

 بقلم : كمال ابو حلاوة *

إن الإشكالية التي تطرق إليها السائل تلامس قضيةً جوهريةً في المشهد الثقافي الأردني، حيث يُفترض أن يكون الفن التشكيلي مرآةً تعكس تنوعَ الإبداع وثراءَهُ، لا ساحةً يُحتكرُ ضوءُها لفئةٍ دون أخرى. فإذا كانت رابطة الفنانين التشكيليين تُقدَّمُ كممثلٍ شرعيٍ وحيدٍ للفن، فكيف يُفسر إقصاءُ عشرات المبدعين والمؤسسات الثقافية عن مشاركةٍ وطنيةٍ بحجم مهرجان جرش، رغم توفر الميزانيات والاتفاقيات الرسمية؟

لا يخفى أن احتكارَ التمثيل الثقافي يُشبه بستنةً تُقتلع منها الأزهار بحجة أنها لا تحمل لونًا واحدًا، في حين أن جمالَ الحديقة يكمن في تعدد ألوانها. فالفنانون التشكيليون – سواءٌ انتموا إلى الرابطة أم لا – هم أجنحةُ الثقافة التي يجب أن تحلقَ معًا لترسم صورةَ الوطن بإبداعها. أما تحويلُ المهرجانات إلى منصاتٍ حصريةٍ لفئةٍ محددةٍ، فهو إخمادٌ لشرارات الإبداع التي قد تُضيءُ مساراتٍ جديدةً في الفن والهوية.

من ناحية أخرى، فإن تخصيصَ الموارد المالية وفق اتفاقياتٍ ضيقةٍ يُعيد إنتاجَ ثقافةِ الاستبعاد، ويُحوِّلُ الميزانياتِ العامةَ من وقودٍ للإبداع إلى أداةٍ للتقوقع. فكيف تُوزع الأموالُ على أساس الانتماء إلى كيانٍ مؤسسيٍ، لا على أساس القيمة الفنية؟ إن العدالةَ تقتضي أن تخضع المشاركةُ في الفعاليات الوطنية لمعاييرَ موضوعيةٍ تُقيِّمُ العملَ الفنيَّ لا اسمَ الفنان أو انتماءه.

لا يُعقل أن تظل الرؤيةُ الفنيةُ للمهرجانات الكبرى أسيرةَ أطرٍ جامدةٍ تُكرس التهميشَ بدلًا من أن تكون نوافذَ مفتوحةً على كل الأصوات. إن تحديات كهذه تتطلب إعادةَ نظرٍ جذريةٍ في آليات صنع القرار الثقافي، عبر تشكيل لجانٍ فنيةٍ مستقلةٍ، واعتماد سياساتٍ شاملةٍ تضمنُ تمثيلًا عادلًا للمؤسسات والفنانين، بعيدًا عن المحسوبيات أو الانحيازات الضيقة.

ختامًا، إن النهوضَ بالمشهد الثقافي الأردني يبدأ بالاعتراف بأن الإبداعَ ثروةٌ وطنيةٌ لا تُقتسمُ بالانتماءات، بل تُنمى بالعدل والانفتاح. فليكن مهرجانُ جرش – وغيره من الفعاليات – منبرًا لكل الألوان والأفكار، لأن الثقافةَ التي تُصادر إبداعَ أبنائها تُحوّل تراثَها إلى متحفٍ للذكريات، لا إلى حكايةٍ حيةٍ تُلهِمُ المستقبل.

*فنان تشكيلي اردني وصاحب جاليري اطلالة اللوبيدة، ويعتبر واحد من ابرز الفنانين التشكيلين في العالم العربي وصاحب مبادرات خلاقة في مجال الفن والمجتمع