• 6 نيسان 2025
  • نبض إيلياء

 

 سؤال طرحه أحد الأصدقاء في جلسة  مقدسية هادئة  أثار حالة من الوجل والدهشة على وجوه الحضور : 

هل مدينة القدس  تسير نحو  التعافي ؟ أم أن القدس مدينة منهارة ؟

 سؤال خلق حراك في مياه الحديث الهادئ وحالة من الجدل بين الحضور، حيث اختلف البعض على الوصف والتعريف وحتى التحليل ، ولكن الجميع اتفق على أن القدس غير متعافية بل هي أقرب الى الانهيار والكارثة ، فهي أكثر مدينة عانت وتعاني من حرب الابادة على قطاع غزة ، هذه الحرب انهكت المدينة المقدسة بشكل لا مثيل له ، واوصلت المدينة إلى حافة الانهيار التام ،  فسياسة هدم المنازل تضاعفت عدة مرات منذ بداية الحرب ، وكذلك اوقفت اسرائيل منح تراخيص البناء مما عمق من أزمة السكن الحادة التي تعاني منها القدس التي تحتاج الى عشرات آلاف الوحدات السكنية من  لتوفير السكن الكريم للأجيال الشابة على ضوء الارتفاع الحاد في اسعار ايجارات الشقق التي وصلت  في المتوسط الى ثلاثة الاف دولار شهريا واقلها الف وخمسمائة دولار شهريا ،  في نفس الوقت أقرت  فيه اسرائيل العشرات من خطط بناء المستوطنات وتوسيع  القائم منها وخاصة في قلب الأحياء العربية من المدينة بهدف تفتيت تلك الأحياء، ناهيك عن حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت تقريبا كل بيت في المدينة  .

 كما عملت اسرائيل بجهد كبير على تدمير أسس المجتمع المدني المقدسي من خلال القضاء على  مؤسساته المدنية بل وقامت باستبدالها بمؤسسات أخرى اسرائيلية الاجندة بوجوه عربية ، هذه الخطوة أدت إلى اختفاء شبه كامل لمؤسسات المجتمع المدني في القدس مما عمق المعاناة وخلف فئات من المجتمع تبحث عن ضالتها كل حسب طريقته ، وقسم من تلك الفئات وجد ضالته في أحضان المؤسسة الرسمية الإسرائيلية.

ورغم ذلك فإن هذه المؤسسات الاسرائيلية البديلة  قد منيت بالفشل لأنها تخدم الأهداف السياسية لفرض السيادة الاسرائيلية على المدينة ومحو هويتها المتعددة ، حتى ان الوجوه العربية التي قادت هذا المشروع وحملت بيدها معول الهدم باتت معزولة وتبحث عن وظيفة جديد بعد أن توقف التمويل  لأن تمويلها مؤقت ويعتمد بالأساس على دعم الحكومة المزاجي والذي لا يرغب إطلاقا بالاستثمار في أي شيء لصالح المقدسيين بل يستثمر في كل شيء يحول حياتهم إلى جحيم ودفعهم الى الخارج .

 ما علينا 

 المهم ،  السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا يعنى التعافي ؟ 

  باختصار التعافي يعني أنه عندما تكون هناك قدرة لدى المقدسي على إدارة حياته اليومية مع الحفاظ على وجوده وهويته ولديه القدرة على تعليم أبنائه بهدف خلق جيل مثقف متعلم يعشق المدينة ، وأن تكون للمقدسي القدرة على توفير الاحتياجات الأسرية الأساسية التي تمكنهم من البقاء في المدينة ، عندها يكون هذا هو التعافي الذي سينعكس ايجابيا على بداية تعافي المدينة .

 ومن هنا تأتي أهمية الاحتفاء بالمدينة كي تتعافى ، كما حدث في شهر رمضان المبارك عندما شهدت البلدة القديمة جولات لأبنائها وضيوفها، كانت حركة مباركة جلبت البركة للمدينة وأهلها ولضيوف الرحمن .

حيث يُعتبر السوق في البلدة القديمة  فضاءءا يعزز الهوية الثقافية من خلال بيع المنتجات التراثية وغير التراثية والمطرزات المتنوعة، والكعك وغيرها ، مما يساهم في الحفاظ على التقاليد والهوية المحلية.

 ولقد صدق  أحد خطباء  المسجد الأقصى / الحرم الشريف ، عندما دعا في خطبته ذات يوم جمعة المصلين والضيوف الى زيارة البلدة القديمة " …  سيروا في أزقتها  تنفسوا هواءها، تنسموا عبق تاريخها اشتروا من تجارها، تمتعوا بأزقتها  حافظوا على زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه" 

حيث يعتبر المسجد الأقصى هو القاسم المشترك في الهوية المقدسية كما بات هو الاسم المرادف للمدينة .   

  وكما قال الناشط المقدسي نافذ عسيلة في مقالة له في " أخبار البلد" حول أهمية الحفاظ على الطقوس كجزء من الهوية وحمايتها في إطار الاحتفاء بالمدينة ومسجدها " تُستخدم الطقوس مثل صلاة الفجر في الأقصى ومواكب الجمعة لتأكيد الوجود العربي وتجسيد الهوية الثقافية والدينية، فتصبح هذه الطقوس رموزًا للصمود، حيث يعبر المشاركون عن تمسكهم بالمدينة وحقوقهم ويعززون التضامن الاجتماعي، ان حضور المسجد والصلاة في الأقصى يشكل تحديًا ويعبر عن الهوية العربية. 

 لهذا يجب علينا الاحتفاء بالبلد، وأن نكثر من تواجدنا فيها وان نتمتع بكل خطوة نخطوها في ازقة واحياء وشوارع وحوانيت وخانات البلدة القديمة، وفي كل ساعات اليوم، رغم ان الوحشة تخيم على تلك المدينة في ساعات العصر المتأخرة خوفا من القادم مساءا، على عكس كل مدن الدنيا، حيث تبدا الحياة تدب في عروق المدينة  ما بعد العصر والمغرب .

 يجب أن نتلمس حجارتها حجرا حجرا،  وان نستشعر التاريخ ونحن نسير في شوارع التي رغم اختلافها إلا أنه لا يزال يعشش فيها التاريخ وعظمة من مر من هنا زائرا معمرا، ومدرسا كاتبا شيخا وليا، حاكما ، وحافظ على الهوية الجامعة للقدس وأهلها . هذه الخطوات تساعدنا نحن اولا في التعافي ومن ثم تعافي المدينة التي نعشق .

 وهناك فئة من أبناء المدينة الذين لا يساهمون في تعافي المدينة  وأبنائها من خلال  زعزعة ثقة أبناء المدينة بأنفسهم وخطواتهم  من خلال تقليلهم من أهمية أية خطوة إيجابية تساهم في تعزيز الوجود والصمود الانساني ، هؤلاء وصفهم صديق عزيز متعمق بالقدس وتاريخها وحاضرها، بأنهم يقفون في خندق واحد مع الآخر الذي يريد المدينة بلا روح ، مدينة له وحده يسيطر فيها على الحيز العام وعلى حكاية المدينة وهويتها ، يريد المدينة ان تكون احادية الرواية، يهودية اللون. 

رغم أن هذا الوصف مرعب لهذه الفئة من أبناء المدينة التي تتعالى تارة وتحمل معول الهدم تارة أخرى ( التي يقال عنها بالعامية لا يعجبها العجب ) إلا أنه لا يمكن التساهل في هذا الوقت بالذات مع من لا يعمل على تعافى المدينة وأبنائها .

وللحديث يقية ….طالما أن هناك قلب نابض 

                                                    خليل احمد العسلي