• 9 آذار 2024
  • حارات مقدسية

 

 

 

 

بقلم : الشيخ الباحث مازن اهرام 

 

 وسط أجواء ابعد ما تكون عن البهجة والسعادة لاستقبال شهر رمضان المبارك بسبب الاجواء القاتمة التي تسود  البلاد وخاصة في غزة حيث الموت يتربص كل نفس بشرية .

وفي القدس تشهد المدينة تعزيزات أمنية مشددة هذا العام مما يقلق المقدسيين ويزيد من مخاوفهم نتيجة الأوضاع الجارية في الضفة وقطاع غزة كذلك الوضع القائم الذي حول مدينة القدس وأبوابها إلى ثكنة عسكرية مدججةً بالجنود وحول طُرق المسجد الأقصى ومنع الوافدين لإقامة شعائرهم الدينية ومثل هذه الاقتحامات كفيلة بأن تشعل الأوضاع نحو الهاوية ورغم الأوضاع السائدة 

أملاً بنظرة تفاءل للمقدسيين بإضاءة فانوس القدس الرمضاني بالمدينة التاريخية كموروث شعبي درج في بداية شهر رمضان المبارك وسط فعاليات إيمانية داخل أسوار المدينة المحتلة ومشاركة بعض الطرق الصوفية الأناشيد الدينية وتزين شوارع القدس العتيقة وإدخال الفرح والسرور على الناشئة من الأطفال وتشجيعهم على فريضة الصيام بداية (كصيام العصافير) أي صيام نصف نهار أو (درج الصخرة) واقتناء الفانوس الرمضاني للأطفال 

واليوم نروي حكاية فانوس شهر رمضان   

اختلفت حكاية فانوس رمضان على مرّ العصور فقد كان الفانوس في بداية الإسلام يستخدم كوسيلة إنارة يهتدي بها المسلمون عند ذهابهم إلى المساجد في الليل

الفانوس (الجمع: فَوَانِيس) أو الفنر هو مصباح أو مشعل يستضاء به، ويوضع داخل غطاء يحميه من الهواء والغبار والمطر. يستمد الضوء من بطاريات كهربائية أو غاز الأسيتيلين أو البنزين أو الكيروسين. ويمكن حمل بعض أنواع الفوانيس من مكان لآخر والتغني بالأهازيج الرمضانية   حالو ياحالو… رمضان كريم يا حالو… تلك هي الكلمات التي يتغنى بها الأطفال استقبالاً لشهر رمضان الكريم حاملين في أيديهم فانوساً صغيراً يمرحون ويتمايلون به فرحاً وابتهاجاً بالشهر الكريم. رغم أن استخدام الفانوس ليس مرتبطاً بطقوس دينية إلا أن المصريين هم أول من استخدموا فانوس رمضان وذلك في عهد الفاطميين واستمر منذ ذلك الوقت وانتشر في كافة أنحاء الدول العربية ليكون رمزاً للفرحة وتقليداً محبباً في رمضان. إلا أن هناك العديد من القصص والروايات حول بداية استخدامه، فتقول إحدى الروايات أن بداية استخدام الفانوس كان مرتبطاً بيوم دخول المعز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة قادماً من المغرب وكان ذلك في يوم الخامس من رمضان عام 358 هجرية
ويعود معنى كلمة فانوس إلى اللغة الإغريقية التي تعني أحد وسائل الإضاءة، كما يطلق على الفانوس في بعض اللغات اسم "فيناس"، ويذكر أحد المؤلفين ويدعى الفيروز أبادي، مؤلف كتاب القاموس المحيط، أن أصل معنى كلمة فانوس هو (النمام) لأنه يظهر صاحبه وسط الظلام.
الرواية الاولى
أما بالنسبة لأصل الفانوس وبداية استخدامه فتوجد عدة حكايات بهذا الشأن، منها أن الخليفة الفاطمي كان دائما ما يخرج إلى الشارع في ليلة رؤية هلال رمضان لاستطلاع الهلال وكان الأطفال يخرجون معه ويحمل كل منهم فانوساً ليضيئوا له الطريق. وكانوا يتغنون ببعض الأغاني التي تعبر عن فرحتهم بقدوم شهررمضان.
الرواية الثانية
وهي أن أحد الخلفاء الفاطميين أراد أن يجعل كل شوارع القاهرة مضيئة طوال ليالي رمضان فأمر شيوخ المساجد بتعليق فوانيس على كل مسجد وتتم إضاءتها بالشموع .
الرواية الثالثة
تقول أنه لم يكن يُسمح للنساء بالخروج سوى في شهررمضان فكن يخرجن وتقدم كل امرأة غلاماً يحمل فانوساً لينبه الرجال بوجود سيدة في الطريق حتى يبتعدوا مما يتيح للمرأة الاستمتاع بالخروج ولا يراها الرجال في نفس الوقت. وحتى بعدما أتيح للمرأة الخروج ظلت هذه العادة متأصلة بالأطفال حيث كانوا يحملون الفوانيس ويطوفون ويغنون بها في الشوارع. وسواء كانت أي رواية هي الصحيحة فسوف يظل الفانوس عادة رمضانية رائعة تجلب السرور والبهجة على الأطفال والكبار وتحتفي بقدوم شهر رمضان  المبارك .

والسؤال الذي يتبادر للأذهان هل فوانيس رمضان بدعة؟

هل فوانيس رمضان حرام؟! حكم التزيين في رمضان باستخدام الفوانيس 

إن حكم التزيين في رمضان باستخدام الفوانيس والأضواء يتمثل في أنه جائز، حيث يجوز استخدام الزينة والفوانيس والأضواء في تجميل المنازل، وهذه من ضمن أشهر مظاهر الاحتفال بقدوم شهر رمضان المبارك والكريم، وهي من العادات المحمودة والمُستحبة في هذا الشهر الكريم، وإن الفانوس يٌعد مصدر رمزاً للبهجة والسعادة والفرحة بقدوم شهر رمضان

فحديث ميمونة بنت سعد، التي قالت.. "يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس، فقال أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه، فإن كل صلاة فيه كألف صلاة قلنا: يا رسول الله فمن لم يستطع أن يصلي فيه؟ قال فمن لم يستطع أن يأتيه فليهد إليه زيتاً ُيسرج في قناديله فان من أهدى إليه زيتاً كان كمن أتاه

 في حديث آخر عن الرسول صلى الله عليه وسلم:

(فإن من أسرج في بيت المقدس سراجاً لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام ضوؤه في المسجد) وقد بلغ عدد القناديل في داخل المسجد الأقصى وعلى أبوابه بلغ 755    قنديلا وفي مسجد قبة الصخرة بلغ خمسمئة وأربعين قنديلا بالإضافة الى ما يوقد في الأروقة.

 

ويتم تخزين الزيت في بئر الزيت الموجودة تحت الاقصى المعروف بقبته الزرقاء، استخدمت مخزناً للزيت الذي كان يضاء به المسجد الأقصى، من اجل استعماله على مدى العام، لإشعال المصابيح والقناديل والسراجات والمتبرعون كانوا يقدمون المال لشراء الزيت، ويأتون بالزيت لصبه في البئر. فإن المسجد الأقصى كان يضاء بالزيت الموقوف عليه في فلسطين ولبنان عبر آلاف القناديل، بل كان الزيت يخزن في بئر خاصة، وكان "الشعال" يتولى إضاءة هذه القناديل في أوقات الليل.

واليوم الوصول للمسجد وإسراج الأقصى، فإن لم يكن المقدرة للوصول إليه فعبر أشكال اخرى يعرفها كل الناس، هذه الأيام، وتماثل إسراج المسجد قديماً بلغة هذه الأيام، الواجب شرعي واخلاقي لنصرة المسجد الأقصى وأهله وجواره، بقدر الاستطاعة والمساندة وبعدم تغييب قضية الأقصى عن ذاكرة الناس، وإطلاق الحملات السياسية والإعلامية والمالية لنصرة الأقصى حتى يأتي الله بوعده، وأمره

يعد الصحابي تميم الداري أول من أضاء المساجد ونقلها من العتمة إلى النور، وذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أتى من الشام إلى المدينة بقناديل وزيت وعلقها في المسجد النبوي الشريف، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا هو يزهر فقال: 

مَن فعل هذا؟ قالوا: تميم فقال: نورت الإسلام نور الله عليك في الدنيا والآخرة

‏ وفي عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن جمع الناس لصلاة التراويح على إمام واحد، أمر رضي الله عنه بأن يضاء المسجد النبوي للمصلين بالقناديل، فهو أول من أضاء القناديل في رمضان، فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه مر على المساجد في رمضان وقد أضيئت بالقناديل فقال:

 "نور الله على عمر في قبره كما نور علينا مساجدنا".

 ففي القرن الثالث الهجري يذكر مؤرخ مكة (الأزرقي) أن عدد القناديل في المسجد الحرام بلغ ٤٥٥ قنديلاً وفي شهر رمضان يضاف إليها ثماني ثريات يكون لها ضوء كثير ثم ترفع في سائر السنة. وأن القناديل كان لها دور مهم في تحديد وقت دخول السحور ووقت الفجر والإمساك للصوم، حيث يذكر ابن جبير وابن بطوطة في رحلتيهما ما شاهداه في المسجد الحرام في شهر رمضان، حيث ذكرا أن القناديل كانت توضع على مآذن المسجد الحرام قبل الفجر في شهر رمضان لتدل على دخول وقت السحور ليراها سكان مكة الذين لا يسمعون نداء التسحير، فإذا دخل وقت الفجر أطفئت القناديل وأمسك الناس للصيام.

‏وفي القرن التاسع الهجري يذكر تقي الدين الفاسي أنه في شهر رمضان يزاد عدد القناديل في المسجد الحرام حول المطاف لتضيء للطائفين وحول المقامات الأربعة وفي مقام إبراهيم وفي أروقة المسجد الحرام لتضيء أماكن الصلاة وقراءة القرآن وختمه في الليالي العشر الأخيرة من رمضان. فإذا قلنا إن من ضمن أوليات عمر بن الخطاب أنه هو أول من جمع الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لصلاة التراويح جماعة واحدة خلف إمام واحد بعد أن كانوا يصلون فرادى وجماعات متفرقة، فمن ضمن أولياته رضي الله عنه أنه هو أول من أضاء المساجد بالقناديل في شهر رمضان فهي سُنَّة عُمرية استمرت من بعده وأصبحت عادة ومظهرًا من مظاهر شهر رمضان المبارك وتعبيرًا عن الفرحة والبهجة لقدومه

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك