- 11 حزيران 2025
- حارات مقدسية
بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام
امتزجت العمارة في فلسطين بنمط متشابه في البنيان والعمران وفي العادات والتقاليد في السرديات على تلك الأرض أهلها يزرعُون ويأكلوُن ينُسجون فيلبسون يبنون ويسكنون على تلك الأرض ينعمون وتستمر الحياة ...
نعشق هذه الأرض بكل تفاصيلها وبكل فصولها وبكل شروق وغروب نجدد عشقنا لها فعليها وعلى أهلها السلام (مِنْهَا خَلَقْنَٰكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ (طه - 55)
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحة أو جرح قال بأصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها وقال
(بسم الله تربة أرضنا بريقه بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا)
التراث الشعبي الموروث الحضاري والعمراني هو انعكاس صادق لما أبدعه الأجداد بحياتهم فهو رمز ناجح متكامل مؤدي احتياجاتهم وفي نفس الوقت ليس بالضرورة أن تكون فلسطينياً حتى تحب فلسطين.. إنها قضية الحق والضمير الإنساني في هذا العالم ….!
علاقة الإنسان الفلسطيني والمقدسي بتراثه علاقة عضوية حيث أن هويته القومية برمتها تتغذى من التراث، لارتباطه في وعيه بأبعاد حضارية وتاريخية ودينية وسياسية على حد سواء. فتعلقه بما يختزنه ماضيه من إنجازات عملية وفلسفية وأدبية أشد من تعلق أي إنسان آخر بتراثه
اللهم سخر لأهل فلسطين ملائكة السماء وجنود الأرض مع هذا يرفض نبي الله أيوب بصبره مبادئ الأشرار ويقول: "لتُبعد عني مشورة الأشرار"
من بين ثنايا البنيان نجد طرازاً هندسياً أُطلق عليه السباط"
وفي المدينة العتيقة نجد باب السباط، وهو أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك عُرف أيضاً باسم باب حطة. أما سبب تسميته بـباب السباط" فيعود إلى وجود سباط أو ممر مسقوف كان يمتد فوق الطريق المؤدية إلى هذا الباب الشرقي للقدس القديمة
معنى "السباط" في اللغة العربية، هو ممر علوي مسقوف بين بيتين، وغالبًا ما يكون في الأحياء القديمة، حيث تُبنى بعض الغرف فوق الأزقة الضيقة لتربط البيوت ببعضها. وكان هذا النوع من البناء شائعًا في المدن الإسلامية القديمة، ومنها القدس.
هناك روايات تاريخية تشير إلى أن بعض الحجارة المستخدمة في بناء أو ترميم باب السِبْاط قد أُخذت من خان الظاهر بيبرس (أو خان الظاهر)، الذي كان قائمًا في القدس ثم تهدّم.
ويُعتقد أن باب السِبْط كان من ضمن هذه الأبنية وهذا الأسلوب شائع في القدس، حيث كانت الحجارة القديمة تُعاد توظيفها نظرًا لجودتها العالية ولصعوبة استخراج حجارة جديدة أحيانًا وعلى واجهة باب الأسباط (باب السبط) من الخارج توجد صورة لأسدين منحوتين بالحجر، وهي من المعالم البارزة والفريدة في هذا الباب يُعتقد أن هذين الأسدين المنحوتين يمثلان شعار الدولة المملوكية، وخاصة في عهد السلطان الظاهر بيبرس، الذي كان يُلقب بـ “الأسد" لشجاعته وقوته. هذه الرمزية كانت شائعة في الأبنية التي أنشأها أو رعاها السلطان الظاهر بيبرس بصمة تركها للتاريخ ليتأملها من يرثها ويحافظ عليها!!
وقد جاء تعريف ساباط في معجم المعاني الجامع - معجم عربي
السَّابَاطُ: جمع سوابيط وساباطات، السقيفة بين حائطين تحتها طريق وهو غرفة بين جارين متقابلين، عندما يكون عند أحدهما شاب مقبل على الزواج ويريد ان يسكنه في بيت العائلة وعنده ضيق في بيته. فكان يستأذن من جاره ويقول له اريد أن اميل على كتفك اي بمعنى الكلام أنه يبني غرفة ترتكز على جدار جاره بالبناء
أما في الموروث الشعبي فيعتبر "السّاباط" ظاهرة اجتماعية تُظهر مدى التعايش والتآلف بين الجيران والعائلات من السكان. فمثلًا، في الحكايات التراثية العتيقة يوجد قول "عِيرني كتفَك"، ليربط عنصر العمارة هذا، بحالة إنسانية جميلة، وهي أن يريد صاحب أحد المسكنين تزويج ابنه ببنت صاحب المسكن الآخر- الأيسر حالًا ومالك السَّاباط- فيقول له: "عِيرني كتفَك!"؛
أيّ أعرني كتفك، والمعنى طلب تسهيل زواج الشاب بالفتاة، وجعل السَّاباط غرفة لهما، ويكون القوس أسفله قوس الفرح بين المسكنين
السَّابَاطُ: ممر او طريق عام مسقف بسقف يقوم على جدران لدارين متقابلين يكون بموجب اتفاق خاص بين المالكين ومن ضمن أعمال البر والإحسان وبالوقت نفسها استغلال فضاء الطريق الذي فوقه غرفة كبيرة على قدر طول وعرض الطريق وعلى الجانبين شبابيك تطل على الطريق ومن الشبابيك تتدلى المصابيح لأنارته. وهذه العادات تعبر عن مدى التكاتف بين الجيران وقت الحاجة لبعضهم البعض ولهذه الاماكن موقع في الموروث الشعبي فكثيرا ما تقترن بالجن لذلك كان الأهالي يوصون ابنائهم بعدم المرور منها ليلا
كذلك يوجد سباط معنوي يربط المدن الفلسطينية وقراها كقوس قزح يتجلى بأطياف ألوانه والحياة تشبه قوس قزح تحتاج إلى القليل من المطر لترى جمال ألوانها، فقوس قزح أو قوس المطر، أعجوبة السماء، من أكثر الظواهر الطبيعية إثارة للدهشة، ألوان جميلة وأسرار مذهلة وراء كل لون من ألوانه رغم قسوة الجدار العنصري الذي مزق وشتت العباد والبلاد فقد فصل بين الفلاح وأرضه وحال بين العامل ومصدر رزقه، وأبعد الكثيرين عن بيوتهم وفرق بين المرء وبنيه وزوجه وسد الطرقات وإلى متى .....
فلنوليِ وجهتنا نحو غزة العزة غزة هاشم حين يُقتل البشر ويُقلع الشجرُ ويُهدم الحجرُ
ان العناية بالتراث العمراني ضرورة حياتية وحضارية، لإبراز هوية المجتمع وعراقة تاريخه، فالتراث العمراني مرجع لأصالة الشعوب، ومصدر لاستلهام الماضي، ولا تأتي المحافظة على التراث العمراني من منطلقات عاطفية فحسب، وإنما لها دلالات أعمق، وتأكيد لاستمرار تفاعل المجتمع وحيويته، وتمسكه بعناصر هويته ومكامن قوته وتميزه أصبحت العديد من المناطق التراثية تحت تهديد اندثار الهوية العمرانية الأصيلة، فهذه المناطق ومنها الأبنية التاريخية التي تزخر بتراث عمراني أصيل، أصبحت تعاني من طغيان الاحتلال والخراب ومحو التاريخ والحضارة فيه، وذلك بسبب ضياع ما يحتويه من عناصر تراثية من جهة وسحق الوجود لأصحاب الأرض والإنسان
ومن أهم الساباطات في فلسطين بيت العلمي الاثري في غزة
سباط العلمي (1806) أو بيت العلمي هو بيت أثري يعود إلى القرن السابع عشر الميلادي، ويقع في الناحية الغربية الشمالية للمسجد العمري الكبير، وبالقرب من قصر الباشا في حي الدرج في البلدة القديمة من مدينة غزة. هو من الأسبطة الوحيدة التي كانت متبقية في مركز غزة التاريخي
يقع بيت العلمي في حي الدرج في البلدة القديمة في غزة ويعتبر من أروع البيوت الأثرية جمالا ويعود تاريخ البيت الى العهد العثماني ويقدر عمر البيت 430 عام، وهوا أحد ال 120 بيت الأثري الموجود في غزة كما قدرتهم وزارة السياحة والاثار تبلغ مساحة البيت 200 متر مربع وتعود ملكيته لآل العلمي ولصاحبه إسماعيل العلمي الذي توارثه عن أجداده.
ويتميز سباطه بالطابع التقليدي للعمارة الإسلامية العثمانية، إذ يتكون من ممر مسقوف بقبو متقاطع بين بنائين رئيسيين، أسفلهما شارع ضيق لا يزيد عن الثلاثة أمتار فقط، ويوجد أعلى الممر المسقوف غرفة تغطيها قبة. ومن أهم ما يميز السباط واجهته الشمالية المطلة على شارع الوحدة بحجارتها الرملية ذات اللون الجميل يوجد للبيت درجين أحدهما يؤدي إلى ساحة علوية تسمى "الحضير" فيها غرفة واحدة، والآخر يؤدي الطابق الأرضي "الإيوان"، وهو مكان مفتوح للجلوس بثلاثة جدران محفورة على شكل مستطيلات ضلعها الأعلى على شكل قوس. ويقابل الإيوان سلّمين يصلان للطابق الأول. يوجد أسفلهما المَزْيَرَة، وهي حوض مياه صغير موجود في الجدار، وبجانبها المَخَبيِّة، وهي غرفة مربعة الشكل تستخدم لتخزين الحبوب والدقيق. يقع في قلب البلدة القديمة من مدينة غزة وتحديدا في حي الدرج".
ويتكون البيت من طابق أرضي وطابق أول، بحيث يحتوى على ثلاث غرف في الطابق الأرضي وقبتين، وغرفتين في الطابق الأول.
ويؤدي مدخل البيت الواقع تحت السباط إلى دهليز (ممر منكسر) يقود إلى الفناء الداخلي ذي الشكل المستطيل بمساحة تقريبية (50 م2)، وتفتح عليه ثلاث غرف وإيوان علوي وغرفة هي نفسها "السباط"، وهذه الغرفة مسقوفة بقبة نصف كروية وبها العديد من الزخارف وتسمى "قصر الملك". وغرفة الضيافة مستطيلة الشكل، فكان جمالها ينبع من نوافذها التي تطّل على الفناء الداخلي للمنزل، وتميزها بمدخلين أحدهما من الإيوان، والآخر من الفناء الذي اصطفت حول جداره عدة أصص لنباتات خضراء.
وقد آل هذا البيت عبر الورثة إلى رياض العلمي الذي أصر على تحويله إلى مركز ثقافي يديره نجله إسماعيل العلمي.
سباط العلمي هو جزء من بيت العلمي الأثري الذي يعتبر معلمًا تاريخيًا، شُيّد مع بداية الدولة العثمانية، ويعتبر واحدًا من أهم ثلاثة أسباط أثرية في غزة، يحتضنه المسجد العمري وقصر الباشا وبيت الغصين.
هذا البيت الأثري يعتبر من أهم البيوت التراثية الأثرية بسبب موقعه المميز بوسط مدينة غزة، وفي منطقة تحتوي على بعض المواقع الأثرية التي لم يطلها الزحف العمراني الحديث، ومنها الجامع العمري وهو جامع مميز أثري، وله تاريخ عريق، وقصر الباشا، وسوق الزاوية، وسوق القيصرية أو "سوق الذهب".
و البيت الذي يحتوي على سباط؛ كان يعتبر من البوابات الرئيسية للسوق الشعبي التراثي "سوق الزاوية". ويعتبر هذا السباط من أهم معالم البيت.
بداية هذا البيت في الأصل كان يعود لعائلة بشناق، ثم تم شراؤه من قبل آل العلمي، ولیومنا هذا هو لآل العلمي، وتم الحفاظ عليه على مر العصور والأزمنة".
كم مرّة حاول سباط العلمي النجاة من نيران المحتل؟
لقد حولوه هذه المرّة إلى ركام!
أكثر من أربعمئة عام، يحملها هذا السباط عمرًا وذاكرةً، وتاريخًا كأحد المداخل القديمة في حي الدرج بمدينة غزة.
تلك المنازل تروي حكايات الأجداد الممزوجة بعبق التاريخ، تواجه اليوم الاندثار نتيجة الحقد الدفين والإبادة الجماعية واندثار الموروث الحضاري وسط مدينة غزة يتواجد منزل سباط العلمي هذا المنزل الأثري القديم الذي تحمل حجارته تاريخ القضية الفلسطينية وتسرد زواياه حياه نضال شعبنا في البقاء ومقاومته ضد الاحتلال الإسرائيلي دمرَّ الاحتلال الاسرائيلي مبنى سباط العلمي في كانون الأول/ ديسمبر 2023. أَصْبَحَ أَثَراً بَعْدَ عَيْنٍ فلَمْ يَبْقَ إِلاَّ الأثر و ذِكْرَى.....