• 8 آيار 2024
  • ثقافيات

 

بقلم :  محمود شقير 

 

في 520 صفحة من القطع الكبير، من مكتبة كل شيء الحيفاوية بإدارة أ. صالح عباسي تصميم شربل إلياس، صدرت الطبعة الأولى للعام 2024 من كتاب الدكتور محمد شحادة موسومة ب "وجه آخر للهوية" وتحت العنوان الرئيس عنوان فرعي: "دراسة انثروبولوجية في تاريخ تطور قبيلة بدوية: عرب السواحرة (1703-1967).

 وقد اشتغل الباحث على كتابه هذا عشر سنوات إلى أن استقر على الشكل الذي بين أيدينا الآن. ومن دون شك، فثمة جهد كبير بذله الكاتب من أجل الإحاطة بكثير من التفاصيل والتطورات التي وقعت لهذه الجماعة البشرية، التي هي جزء من الشعب الفلسطيني، خلال أكثر من مئتين وخمسين سنة. 

فقد استعان الكاتب بخبرته الشخصية ومعارفه وبشهادات من بعض رجال القرية ونسائها، وبمراجع ومصادر متعددة تصب كلها في الإطار الذي حدده لكتابه هذا. وبالنظر إلى أهمية هذا الكتاب وضرورة تطويره في طبعة أو طبعات قادمة، فإنني أرى ضرورة الانتباه إلى النواقص التي شابته ليس للتقليل من جهد الدكتور شحادة، وإنما لسدّ النقص وللمضي قدمًا في استكمال مادة الكتاب التي جعلها الكاتب تتوقّف عند هزيمة حزيران 1967، لأن ما بدأ به مشروعه جدير بالاستكمال، وهنا أشير إلى ضرورة الاستفادة من الملاحظات التي أبداها الأعزاء جميل السلحوت وراتب عناد عبيدات ومالك راسم عبيدات، وأي ملاحظات أخرى وردت في مقالات عن الكتاب. 

ومنذ البداية، أرى أن وصف الكتاب على أنه دراسة انثروبولوجية فيه مبالغة، حيث إن الدراسة العلمية لها معايير ومنهجية صارمة لا تحتمل أي تبسيط أو تساهل في إيراد الحقائق، وتسعى إلى الإحاطة الشاملة الدقيقة بمادة البحث المستهدفة.

ربما كان الأكثر دقة وصف الكتاب على أنه سيرة قرية، أو سرد توثيقي لحياة جماعة بشرية أو ما شابه. 

ثم إن الكتاب أغفل، لا أدري عن عمد أم عن عدم انتباه، الانتماءات السياسية داخل هذه القرية، فقد زخرت قرية عرب السواحرة بتيارات سياسية وحزبية مختلفة، وكان لحزب البعث العربي الاشتراكي نشاط ملموس في القرية إبّان خمسينيات القرن العشرين، وفي الستينيات من القرن ذاته نشط كل من حزب التحرير والحزب الشيوعي وحركة القوميين العرب في القرية. 

 ملاحظة أخرى لها علاقة بالأثر الذي تركته نكبة 1948 على الناس في القرية. صحيح أن الكاتب تحدث عن مشاركة بعض رجال القرية في الثورات الفلسطينية المتعاقبة، وفي القتال تحت قيادة عبد القادر الحسيني، غير أنه لم يتابع جوانب مهمة من انعكاسات النكبة على حياة الناس، وأقصد هنا الهجرة لتحصيل الرزق إبّان خمسينيات القرن العشرين، وخصوصًا إلى الكويت والبرازيل. 

وضمن هذا السياق، كان يمكن ملاحظة تعايش التشكيلات البدوية والفلاحية والمدنية في وقت واحد في قرية عرب السواحرة، مع أسبقية التشكيلة البدوية بطبيعة الحال. وفي ظني أن هذا التعايش لأنماط معيشة مختلفة أكسب القرية كثيرًا من المزايا التي تجسدت في تعدد الانتماءات السياسية والحزبية، وفي ظهور عدد كبير من الكتاب والكاتبات في القرية لم يتوفر مثله في أي قرية أو ربما مدينة أخرى فلسطينية.

 انصبّ اهتمام الكاتب على التعليم المدرسي، وخصوصًا الدور الذي أنجزه اثنان من مثقفي القرية في فتح مدرسة للبنات في ظل تعنت الأهالي ومعارضتهم، أقصد هنا العَلَمين البارزيْن: داود عطية حسن عبده، ومحمد حسين جوهر.

 علاوة على متابعته لقضايا التعليم الثانوي للبنات وللأولاد في مدارس القدس. غير أن الكاتب لم يتطرق لظهور حراك ثقافي أوسع في القرية، تمثّل في ظهور كتاب وصحافيين لهم دور مرموق في الصحافة المقدسية المحلية وفي مجلة "الأفق الجديد" المقدسية، هذا الظهور الذي سوف يتعزز بعد هزيمة حزيران 1967 ليعلن ولادة ما يزيد عن ثلاثين كاتبًا وكاتبة من قرية عرب السواحرة، وهو الأمر الذي سيلفت نظر كثيرين من النقاد ومن المشتغلين في الحقل السياسي، في محاولة لتفسير هذه الظاهرة التي لم يتطرق إليها كتاب صديقي ورفيقي الدكتور محمد شحادة، وهو أحد هؤلاء الكتاب، وهو ما آمل أن يقوم به حين يستكمل مادة كتابه الجيد، برغم النواقص والثغرات.

 تحية للكاتب الدكتور محمد شحادة.