• 8 نيسان 2024
  • نبض إيلياء

 

بقلم : خليل احمد العسلي 



ها قد غادرنا شهر رمضان المبارك وقلوبنا كلها حزن على هذا الفراق الذي يتمنى الجميع أن لا يطول غيابه  فهذا الشهر هو شهر البركة والمغفرة وشهر بعث الأمل في نفوس قد تعبت واجساد قد هرمت وانهكها الحزن وغرقت في حالة يأس كبيرة ،  لقد بعث  فينا هذا الشهر الامل  بغد أفضل مهما طال الليل ومهما عظمت جبروت الظالم، ومهما تعمق خذلان الأهل ، ورغم كل ذلك فالغد قادم لا محالة والأحوال ستتغير لا مفر .

 غادرنا الشهر الفضيل  تاركا القدس وهي في  أسوأ أحوالها  ، و أحلك أوقاتها فالمسجد الأقصى/ الحرم الشريف  يعيش اوقاتا توازي إن لم تتفوق على تلك التي عاشها هذا المسجد وتلك المدينة  أيام الصليبيين .

 فلقد غاب عن الاقصى مئات الآلاف  من المصلين الذين كان يحتضنهم  فيه طيلة الشهر وكانت هذه الألوف تعتكف فيه ليل نهار حتى قبل بداية شهر رمضان المبارك. 

 فلقد سألني صحفي صديق  أن اجرى مقارنة ما بين أحوال الأقصى الان وأحوال الأقصى فيما قبل الاحتلال في شهر رمضان المبارك ، فقلت له لا مجال إطلاقا للمقارنة ، بل أن المقارنة هي ظالمة ، فكيف يمكن أن تقارن الأقصى الذي لم يغلق أبوابه أمام المسلمين المؤمنين ليلا ولا نهارا وبين الأقصى الذي يغلقه الجنود بعد العشاء حتى الفجر وحتى في  ساعات الصباح يتم إغلاقه  أمام المسلمين ..

 كيف يمكن أن تقارن بين الأقصى الذي لم يدنسه لا شرطي ولا جندي ولا غاصب حاقد وبين الاقصى الان حيث الشرطة بين المصلين تتجول، تحقق في هويات المصلين داخل الأقصى ، ومتطرف يريد ان يحرق ويهدم من أجل حقد دفين لا معنى له رواية لا تلك واقعا داعما . 

 كيف يمكن ان تقارن بين أن يكون المسجد لا يوجد فيه مكان للصلاة لدرجة ان الاسواق المجاورة تحولت لساحة صلاة لتستقبل المصلين القادمين من كل بقاع العالم العربي والإسلامي بدون اي قيد او شرط في صلاة الجمعة طيلة العام وفي شهر رمضان المبارك بشكل خاص . وبين المسجد الآن وقد منع المحتل المسلمين من الوصول إليه حتى من المدن التي لا تبعد سوى كيلو مترات معدودة عنه.

كيف يمكن أن تقارن بين أن يكون الأقصى فاتحا ذراعيه مبتسما لكل من يدخله مرحبا بعبارة  ادخلوها بسلام آمنين ، ويجد كل من يصل الى المسجد من كل بقاع العالم الترحيب والتقدير،

 وبين الأقصى الآن الذي يسأل فيه الشرطي الذي يمثل الاحتلال المسلم :

 لماذا تريد أن تدخل الأقصى؟ 

أو أن يقول : 

 هذا ليس وقت صلاة !!

 أو أن يقول :

 عد إلى البيت وصلى هناك.

 كيف يمكن أن تقارن بين الاقصي بالأمس الذي كان منارة علم يحتضن كل علماء المسلمين وقد تحولت كل زاوية فيه الى مدرسة وحلقة تعليم حيث عشرات أم إن لم يكن مئات علماء المسلمين هناك ، وانتشار عشرات الزوايا الخاصة بالصوفية من أجل التعليم والاعتكاف والتأمل،

 بين الأقصى الآن الذي يمنع فيه المحتل دخول الطلاب ويتم تفتيش كتبهم قبل دخولهم للأقصى من أجل التعليم ، وقد اختفت الزوايا ورحل العلماء وساد الخوف سماء الاقصى .

كيف يمكن أن تقارن بين اقصى اليوم الذي يمنع المحتل فيه إصلاح بلاطة قد هرمت وتكسرت تحت ضغط ارجل القادمين ويمنع تجميل الاقصى اولى القبلتين بل ويمنع حتى تغيير أنبوب ماء مثقوب ، ولا يسمح بإنقاذ شجرة  استظل بظلها المسلمون على مر عشرات إن لم يكن مئات السنين ،

 وبين الأقصى في الزمن الجميل الذي كان فيه الأقصى جنة الله على الأرض وقد حظى برعاية وعناية كل مسلمي العالم ليبقى تحفة فنية لا تضاهيها تحفة جمال وعراقة وتاريخ، فكل ركن وكل حجر في الأقصى يحكي حكاية حاكم مسلم عشق الأقصى فعمل على تجميل جزء منه ..

 نظر الى الصديق الصحفي وقال بهدوء : 

 إذن الاقصى ليس نفس الاقصى، بل هو يعاني أشد معاناة وقد تمكن منه المحتل واحكم سيطرته عليه في غفلة  من المسلمين أو حتى بعلم من العرب، متناسين جميعا أن الأقصى هو جزء أساسي من عقيدتهم ومن ايمانهم .

قال الصديق ذلك ورحل عائد الى بلاده وبقينا نحن في القدس وفي الأقصى فحياتنا هي حكاية عشق ابدي  …..!

 وكل عام والقدس والاقصى وأهل المدينة القابضين على الجمر بخير.

 وللحديث بقية إن بقي في العمر بقية