• 8 تشرين الثاني 2023
  • حارات مقدسية

 

 

بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام 

 

ستي حكاية اليوم 

 بدي اليوم خبرك خبرية من أمثلتنا الشعبية كلام كثير عن القطط  فهي حيوانات أليفة عاشت وتعيش معنا منذ الطفولة، أليفة لدرجة أنك تضايقها أحياناً، ورغم ذلك تقترب منك وتنام قريباً من رأسك أو عند قدميك عندما تُقدم الطعام للقطة تجلس وتلتهم طعامها على مقربة منك والذي رأى قطة تتلصص على مائدة  في خلسة من أصحابها ثم تمد فمها  لتلقف بعض الأطعمة تنزوي وتتوارى بعيداً وتلتهم الطعام  الذي سرقته  مثل تلك القطة و النظر إلى عينيها و هي تسرق لن يُنسى أبداً تلك النظرة التي ملؤها الإحساس بالذنب إن القطة و هي الحيوان تشعر شعوراً مبهماً أنها ترتكب إثماً  فإذا لحقها العقاب و نالت ضربة على رأسها فإنها تغض البصر تطأطئ رأسها و كأنها تدرك إدراكاً مبهماً أنها نالت ما تستحق وهو إحساس الفطرة الأولى الذي ركبه الخالق في بنية المخلوق إنه الحاسة الأخلاقية البدائية نجد أثرها حتى في الحيوان فكيف بمن يسرق وطن ؟؟
 ستي حكاية ثانية فيها عبرة وموعظة  

 يُحكى أن صياداً اصطاد مجموعة من العصافير في يومٍ بارد، ثم وضعها أمامه، وصار يذبحها واحداً واحداً، والباقي ينظر ويتفرج وكانت دموع الصياد الجزار تنزل من عينيه بسبب البرد القارس والريح الشديد، فنظر عصفوران إليه وإلى دموعه، فقال أحدهما للآخر  

 انظر إلى الصياد المسكين، كيف يبدو حزيناً على ذبحنا، إنه يبكي شفقة علينا ورحمة بنا!

 فقال له العصفور الآخر بفطنة وذكاء: لا تنظر إلى دموع عينيه، ولكن انظر إلى فعل يديه

لا تنظروا إلى فصاحة المتكلم وهندامه فمهما علا صوته ووعوده، ولا إلى رقة مشاعره
وانظروا إلى أفعاله   وكما قال العصفور الذكي
" لا تنظر إلى دموع عينيه، ولكن انظر إلى فعل يديه "

هل بكاء الساسة والمؤتمرات التي لاتُسمن ولا تغني من جوع لكن نخوة المعتصم لم تلامس الآذان؟

اسمعي نوح الحزانى واطربي         وانظري دم اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها                تتفانى في خسيس المغنم
رب وامعتصماه انطلقت               ملء أفواه الصبايا اليتّم
لامست أسماعهم لكنها                 لم تلامس نخوة المعتصم
أمتي كم صنم مجدته                   لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه             إن يك الراعي عدو الغنم
فاحبسي الشكوى فلولاك لما           كان في الحكم عبيد الدرهم

 

 ستي وعبرة ثالثة 

إنَّما أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِل الثَّوْرُ الأبْيَضُ

أُكلت يوم أكل الثور الأبيض مقولة عربية، ومثل يضرب عند الشعور بالندم على التفريط والتهاون في الحقوق، والإحساس بالتشتت والضياع فالأمر يبدأ دائماً بالغير وينتهي عندك فاحترس ولا تضع نفسك فريسة للخداع ما يطال غيرك يطالك 

الخير في الناس مصنوع إذا جبروا، والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا"،

 هكذا قال الشاعر اللبناني جبران خليل جبران في مطلع قصيدته "المواكب"، 


العبرة الرابعة 

يقال إنه في قديم الزمن كان هناك رجل يمتلك صقرًا غاليًا وعزيزًا عليه، وكان هو مصدر رزقه الوحيد فعليه كان يعتمد في صيد الحبارى التي يبيعها أو يأكل منها هو وأسرته، وفي يوم كثيف الغيوم لا يناسب الصيد أطلق الرجل صقره سعيًا وراء الرزق، ولكن الصقر على غير عادته تأخر ولم يعد 

وظل الرجل ينتظر وينتظر لكن دون فائدة، فأخذ يجوب المكان بحثًا عنه، ولكن دون أثر وبينما هو سائر وجد راعيًا عند إبله، فسأله عن طيره وإن كان قد رآه، فقاله له الراعي إنه رأى طيران يتقاتلان أسفل الشجرة، فقرعهما بعصاه وذبحهما، وها هما على النار ينتظر شواءهما

وبهت الرجل صاحب الصقر لما سمع، وأصابه الهم والحزن وانفجر في الراعي قائلًا:

 ماذا فعلت، أتشوي الصقر إنه لا يؤكل، فما كان من الراعي إلا أن قال له: صقر أو غيره كلها طيور، فأطلق الرجل هذا المثل في الراعي قائلًا:

 اللي ما يعرف الصقر يشويه

أي من لا يقدر قيمة الصقر ولا يعرفه يفعل به ما شاء، ويعامله معاملة باقي الطيور، وهكذا الحال مع كل الأشياء القيمة لدينا، فمن لا يعرف قيمتها ومدى أهميتها بالنسبة لنا يهدرها ويفرط فيها 

أرض السمن والعسل تغدو أرض الشوك والصبار

ستي الحكي ليس الشوف

الأرض التي كانوا يصفونها بأنها أرض المن والسلوى، وبلاد السمن والعسل، فحلموا بها وتطلعوا إليها، ورحلوا إليها واستوطنوا فيها، وطردوا أهلها منها واغتصبوا حقوقهم ودنسوا مقدساتهم، وقالوا عنها أنها أرض الآباء والأجداد، وأن فيها آثارهم وتحت ثراها دفنت أجيالهم، وأنها قلب ممالكهم الأولى وموطن أنبيائهم ومهوى ملوكهم، وأنهم لن يتركوها ولن يتخلوا عنها، ولن يقاسمهم فيها أحد أو يشترك معهم في العيش فيها شعبٌ آخر، فقاتلوا لتحقيق هدفه وخاضوا الحروب من أجله، واستقدموا مئات الآلاف من المهاجرين إليها، وعبدوا الطريق أمامهم وأغدقوا العطاء لهم، وأغروهم بما يحلمون به وأفضل، ووعدوهم بالمزيد وأكثر 

اليوم تغدو الأرض نفسها في عيونهم أرضاً أخرى، مختلفة عما كانوا يحلمون بها ويتمنون العيش فيها، ولا تشبه الصور التي قرأوا عنها وعملوا على استعادتها، وهي لم تعد أرضاً جاذبة لهم بل أصبحت طاردة لأبنائهم، ومنفرةً لأجيالهم، وغير مريحة لحلفائهم، ولا تغريهم بالبقاء والتمسك بها، ولا تساعدهم على العيش فيها والتضحية في سبيلها أو الفناء من أجلها، إذ لم يعد فيها نعيم يرتجى ولا استقرار يبتغى، فهي تحت أقدامهم تتزلزل ومن حولهم تشتعل ناراً وتتفجر لهيباً، وعلى أطرافها ينهشون وفي قلبها يقتلون، والحياة داخلها تفسد وقيمها تتعفن، وقادتها يفسدون ولا يصلحون، ويستأثرون ولا يؤثرون، ويتآمرون ولا يتعاونون.

وهذا كما عرض لسليمان (عليه الصلاة والسلام)، على المرأتين أن يشق الولد المختصم فيه لاستخراج الحق ولعلمه أن الأم الحقيقة لا يهون عليها ذبح وليدها والمقصود الأعظم، دفع هذه الفاحشة الكبرى وحقن الدماء