• 29 تشرين الثاني 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : أحمد صيام 

 

ايتمار بن غفير ، مستوطن متطرف حاصل على اجازة بالقانون وعضو كنيست منذ العام 2021 ، يعتبر نفسه وريث الحاخام مئير كاهانا المتطرف زعيم حركة كاخ في الفكر والأيديولوجية .. كاهانا الذي جرى التحفظ على نشاطاته المتطرفة عالميا وخاصة في أمريكا ووضعت حركته على اللائحة السوداء ، ومن هنا تولدت الفكرة لدى بن غفير في تأسيس حزب " عوتسما يهوديت " بمعنى " قوة يهودية " والتي تحمل ذات الايديولوجية الكاهانية المتطرفة وفوزها بالمرتبة الثالثة في الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة وحصوله على عضوية 14 مقعدا ، ما يدلل على جنوح المجتمع الاسرائيلي وميله بشكل متسارع نحو اليمين المتطرف والتمييز العنصري والتفرقة القومية ، وسيكون بالمقابل الفلسطينيون الضحية لان أفكار ذلك اليمين مبنية على ارتكاب مزيد من الجرائم بحقهم دون التمييز بين مدنيين عزل او نساء او اطفال او شيوخ او غيرهم . 

يعرف عن بن غفير أنه في غاية التطرف ما يمكن ان يعني أن أفقه السياسي قد يكون محدودا ، ولطالما تسبب بتأجيج التوتر مع الفلسطينيين ، وادين أكثر من مرة بأعمال ارهابية وجنائية واتهم في دولة الكيان والولايات المتحدة الأمريكية بالعضوية بمنظمة ارهابية ، فهو مستوطن يعيش في مغتصبة كريات اربع المقامة على أراضي مدينة الخليل ، ويقف على رأس الداعمين والعاملين على تهويد المسجد الأقصى المبارك وهدمه "لا قدر الله" واقامة الهيكل المزعوم على انقاضه ، كذلك يأتي في صلب ايدولوجيته المتطرفة الاستيلاء على مزيد من الأرض الفلسطينية وتوسيع البؤر الاستيطانية " وتنظيفها " حسبما ينبت في أفكاره من الدم العربي الفلسطيني . 

ومن هنا ياتي اصرار بن غفير على تولي وزارة الأمن الداخلي والتي تغير اسمها الى وزارة الامن القومي وفق الاتفاق الذي أبرمه حزب الليكود الفائز بالانتخابات الاسرائيلية الاخيرة بزعامة بنيامين نتنياهو وحزب بن غفير، ومن ضمن الاتفاق توسيع صلاحيات هذه الوزارة من خلال نزع سلطات إنفاذ القانون من وزارات حكومية أخرى ودمجها بوزارة الامن القومي ، واهمها السيطرة على قوات حرس الحدود التابعة لما يسمى " فرقة يهودا والسامرة " المنتشرة في الضفة الغربية ، والتي كانت تخضع للجيش الاسرائيلي ، ما يدلل على نوايا بن غفير بتصعيد الإجراءات القمعية بحق الشعب الفلسطيني ، كما يتضمن الاتفاق السماح لبن غفير بإنشاء ما يسمى " الحرس الوطني " وقوات " سايرت هيروكا " وهي عبارة عن ميليشيا ، في ظاهرها تعمل بشكل قانوني ، ولكن في باطنها أقرب الى العصابات الصهيونية الاشتيرن والارغون الارهابيتين واللواتي كانتا نواة دولة الكيان ، حيث مهمتها الاساسية إرهاب الفلسطينيين وتهجيرهم والاستيلاء على أرضهم . 

اتفاق بن غفير نتنياهو أثار حفيظة الكثير من المسؤولين في دولة الكيان خاصة مسؤولي الأمن ، لانه بموجب ذلك الاتفاق فسيكون بن غفير اللاعب الأساسي والمخطط الرئيس لسياسة الاحتلال فيما يتعلق بالمقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى ومناطق التوتر في القدس، سلوان والشيخ جراح ، اضافة الى المناطق مختلطة السكان داخل الخط الأخضر والنقب ، وغيرها من بؤر التوتر، وستكون قيادة الشرطة والأمن تحت إمرته ،وهو ما قد يؤجج الصراع ويعمل على التصعيد ، ليس فقط على الجبهة الفلسطينية انما سيمتد التصعيد على الجبهات العربية لا سيما الأردنية صاحبة الوصاية على المقدسات ، وهو ما حذر منه رئيس الوزراء الأردني الأسبق الدكتور ممدوح العبادي في ندوة له بمعهد الشرق الاوسط للاعلام والدراسات السياسية ، والذي وصف فيها فوز اليمين الاسرائيلي المتطرف بالانتخابات " بالشيء الخطير القادم " داعيا الدولة الاردنية الى تسليح الشعب حتى النساء لأن الصدام حتمي وقادم لا محالة . 

في دولة الكيان يسود التخوف الشديد من ان السياسة الاسرائيلية المتطرفة المقبلة ، وهي بالمناسبة ليست جديدة إنما قديمة لكنها كانت " ناعمة " ستقود الى خلخلة التنسيق الاسرائيلي الدولي وبالتالي اضعاف الدولة وهياكلها وصولا الى انهيارها ، خاصة وأن هناك سوابق تاريخية اشارت الى ان الجنوح الى التطرف يقود الى الانهيار والزوال . 

ربما يكون بن غفير وجرائم اليمين الاسرائيلي المتصاعدة الثغرة التي ستقود إلى نهاية الاحتلال وزواله ، ولكن في المقابل ، هل سيبقى الفلسطينيون والامة العربية المستهدفة أيضا ، صامتون دون تحرك انتظارا لليوم الموعود بزوال دولة الكيان ، ام يقع على عاتقهم العمل للتصدي للتطرف الاسرائيلي والتحضير ربما لمعركة فاصلة مثل معركة حطين بقيادة صلاح الدين الأيوبي التي وضعت حدا وأنهت الظلم الصليبي المتطرف وأعادت القدس الى عرينها الإسلامي .  

في ضوء ما سبق ، الامة العربية أمام منعطف خطير للغاية يهدد وجودها وكياناتها ، لذا فهي مدعوة أمام هذه التطورات المصيرية الى تحصين جبهتها الداخلية والاستعداد للقادم ، على اساس القاعدة الربانية " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " .  أما رأس الحربة وخط الدفاع الأول عن الامة العربية ، الفلسطينيون ، فيقع على عاتقها العبء الأكبر في التصدي للسياسة الاسرائيلية القادمة ، والقيادة الفلسطينية مطالبة الان وليس غدا وعدم الانتظار والإسراع باتخاذ خطوات من شأنها محاصرة السياسة الاسرائيلية ، وعلى كافة الصعد .  

اولا : على الصعيد المحلي : 

 الاهتمام بالشأن الداخلي والعمل الجاد والصادق على ترميم البيت الفلسطيني ورأب الصدع فيه وتحصين الجبهة الداخلية من خلال تجميل صورة السلطة الوطنية لدى المواطن خاصة اجهزتها الامنية ومؤسساتها الخدماتية ، وتحسس هموم ومشاكل المواطن الفلسطيني ، وذلك من دون شك لا يمكن ان يتم الا من خلال محاصرة الفساد ومحاسبة الفاسدين وتوحيد مكونات المجتمع الفلسطيني على قاعدة تعزيز الصمود وخاصة في القدس الأكثر استهدافا ، واحترام حرية الرأي والرأي الآخر ، وتشكيل الوعي الجماهيري الشعبي على أسس وطنية بحتة ، بعيدة عن التجاذبات الفئوية أو الحزبية أو الذاتية . 

كذلك ضرورة العمل على انهاء الانقسام واعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني ، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني بكافة أماكن تواجده ، وضخ أفواج من الجيل الشاب المثقف الواعي والمتعلم فيها ، والتوصل الى رؤية وطنية واحدة موحدة بعيدة عن المناكفات الحزبية ، ورسم استراتيجية متماسكة تضع المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني على رأس الأولويات ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية بحيث تكون داعمة للمساعي الدبلوماسية الدولية وكشف وجه دولة الاحتلال الحقيقي وصولا الى الاقرار بالحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف ، ومن هنا تأتي اهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية للسلطة الوطنية تختارها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تتمثل فيها كافة التيارات الحزبية ومن الاجدر ان يقتصر عملها على الجانب الخدماتي للمواطن وعلى قاعدة تعزيز الصمود ، دون الخوض بغمار انتخابات قد تعمل على خلق خلافات وفتن بين التيارات الفلسطينية المتعددة . 

ثانيا : على الصعيد العربي : 

 تجلت الوحدة العربية الشعبية في مونديال قطر ، ورفرفت الأعلام الفلسطينية خفاقة في الوسط الرياضي بكثافة، رفعتها اياد عربية من المحيط الى الخليج ، وهي ليست الأولى من نوعها في مؤازرة ودعم فلسطين وشعبها ، واتضح حجم الكراهية للاحتلال وممارساته التعسفية بحق الشعب الفلسطيني ، وهو ما أثار استياء الاعلاميين الاسرائيليين المتواجدين لتغطية المونديال ، لذا القيادة الفلسطينية مطالبة برفع وتيرة التنسيق العربي الى اقصى الدرجات والتغلغل وتوسيع دائرة الانتشار التوعوي في المجتمعات العربية وتنشيط عقول الشعوب نحو القضية الفلسطينية وتجنيد الدعم الشعبي بكل أشكاله والذي من شأنه ان يكون عاملا ضاغطا على المستوى الرسمي العربي . 

ثالثا : على الصعيد الدولي : 

من دون شك ان الخطوة التي تحدت فيها القيادة الفلسطينية المجتمع الدولي المتلون وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية ، وانتزعت دولة فلسطين المحتلة موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بالطلب من محكمة العدل الدولية إصدار رأي استشاري بشأن الاحتلال الإسرائيلي لأراضي دولة فلسطين بما فيها القدس الشرقية وتحديد التبعات القانونية الناشئة عن انهاء الاحتلال الاسرائيلي وانتهاكاته المستمرة لحقوق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير واحتلال طويل الأمد و استيطانها وضمها للأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها الجزء الشرقي من القدس التي احتلت عام 1967 ، خطوة بالاتجاه الصحيح ، ونجاح جديد في اختراق المجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة ، لذا المطلوب تفعيل هذا النجاح بمزيد من النجاحات والاستمرار بالعمل والضغط على المؤسسات الدولية ذات الصلة دون توقف وصولا الى تحقيق الاهداف المنشودة ، حتى لا يكون مصير ما سيصدر، - ان استكملت القيادة الفلسطينية خطواتها بهذا الشأن - ، مصير الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2004 والذي أقر بعدم شرعية بناء جدار الفصل العنصري ، ودعا دولة الكيان عدم استكمال بنائه وتفكيك ما بني منه ، وأن لا تنطلي المراوغات والخداع الاسرائيلي والدولي من جديد على القيادة الفلسطينية لان "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين" ، وعدم الخضوع لاية ضغوطات من هنا او هناك !! والاستناد إلى حالات سابقة بهذا الشأن كقضية طابا بين جمهورية مصر العربية ودولة الاحتلال ونجاح مصر في انتزاع قرار قضائي دولي أعاد طابا الى عرينها المصري ، وبطبيعة الحال دون إهمال تجنيد المزيد من التأييد والتعاطف الشعبي الدولي الداعم للحقوق الوطنية الفلسطينية ، وهنا عبء ليس بالقليل يقع على السفارات والجاليات الفلسطينية . 

يقول المثل الشعبي : " رب ضارة نافعة " ، فهل سيعيد التاريخ نفسه ويقود الضرر الذي سينجم عن السياسة الإرهابية العمياء التي  سينتهجها بن غفير وتجر دولة الكيان إلى حافة الهاوية ؟ وتكون بمثابة الابرة التي ستخترق قلب الامة العربية وتعمل على تحريك واستفزاز مشاعرها وتفتح عيونها ويخرج منها صلاح الدين جديد يعيد لها امجادها !!