• 7 أيلول 2023
  • أقلام مقدسية

 

 بقلم : هشام الرجبي 

 

منذ بضعة أشهر  وقع لي حدث لم يستطع عقلي استيعابه ، فلقد تواصلت مع أحد الباحثين غزير الإنتاج  والذي أخرج الى النور حتى الآن أكثر من 36 كتاب  عن القدس والحياة فيها وسجلاتها، من أجل السؤال عن مكان توفر كتبه فكانت المفاجأة قوله لي  وبطريقة يشتم منها رائحة التعالي أن جميع كتبه متوفرة في المكتبات التركية  فقط ، وذلك لأن دار النشر التي تكفلت بطباعة كتابه لم ترسل له سوى نسخة خاصة به من كل كتاب عمل عليه! 

هل يستوعب العقل أمرا كهذا  ، خاصة وأن  كتبه تتعلق بمدينة القدس وتاريخها وسجلاتها وكان الأجدر به ان يعمل على توفير هذه الكتب في مكتبات القدس لتثري جيل المدينة المغيب والمهمش والضائع بين الافتراضات وسخف محتويات المكتبات ليكون أمامه ثروة من المعرفة .

كاتب اخر وموضوعاته تتعلق بمعالم مقدسية او مراحل او احداث تفاجأت أيضا أن جميع كتبه في مكتبات استنبول وأنه لا يمتلك غير نسخ قد أرسلت له من دور النشر التركية.

كاتب اخر ومؤرخ يختار أوراق كتبه بعناية وجلد الكتاب وطريقة تغليفها فزاد على قيمة الكتاب وموضوعاته التي جميعها تتعلق بتاريخ مدينة القدس قيمة ورق الكتاب وتجليده حتى أصبح ثمن أصغر كتبه حجما يتجاوز 30 دولار ولديه بعض الموسوعات أيضا والتي يصل ثمن إحداها الى اكثر 500 دولار والأخرى لا تقل عن ذلك المبلغ وبالطبع جميع كتبه غير متوفرة في السوق فلا توجد مكتبة لدينا في مدينة القدس تحتمل شراء كتب بهذه الأسعار ولو غامرت بشرائها فلا اعتقد انه من السهل بيعها إلا لفئات ميسورة تتخذ من الكتب في بيوتها رمز للثقافة والزينة لا اكثر ولا اقل ، اما الطالب الباحث الذي يحتاج  مجهر عالي الجودة  ليجد مرجع يستقي منه المعرفة . كاتب اخر يطلع مجموعة من الأعداد لا تتجاوز الخمسمائة كتاب بتمويل طبعا من احدى الجهات الداعمة ويضع جميع النسخ لديه ويقوم بإهدائها وتوزيعها أو بيعها حسب هواه بطريقة مزاجية بحتة.

كاتب اخر محاضر في الجامعة لديه بعض المؤلفات لم نسمع عنها إلا عبر الانترنت فلا نعلم مكانها بالخارج او بالداخل  في الارض اما  السماء.

وهناك بعض المؤسسات قامت على عمل بعض الدراسات والبحوث إحداها شارك فيها نحو عدد من  الباحثين المخضرمين تواصلت مع أحدهم وهو صديق لي للحصول على نسخة وكانت الكارثة أنه نفسه لم يحصل على أية نسخة فلقد تبنى المشروع وطباعته احدى الدول الخليجية ولم ترسل هذه الدولة أي نسخة حتى للباحثين بها.

ولقد أرسلت لشراء هذه النسخة التي كتبها وعمل على إخراجها أشخاص من مدينتي وحيي ويتحدثون عن مدينتي ومدينتهم وكانت النكتة التي أطلقها دريد لحام في مسرحية "ضيعة تشرين" : "افتحلنا على لندن لنشوف شو في عنا اخبار" حقيقة مجازية لواقعنا الأليم وعلى هذا المنوال اعرف ما يتجاوز عددهم عشرة أشخاص ومؤسسة وجمعية تمارس الإنتاج المجهول.

إضافة لكل هذا هناك كتب لمؤرخين مقدسيين توفاهم الله وهي مفقودة لم يبادر أحد بأخذ تصريح من الورثة لإعادة طباعتها ونشرها وللأسف السواد الأعظم من هذه الكتب سواء ما طبع في تركيا او ما طبعه البعض بشكل فردي او ما طبعته بعض المؤسسات والجمعيات غير متوفرة حتى في المكتبات العامة وليست مفقودة فقط في المكتبات التجارية .

لقد قمت بجولة مؤخرا في بعض المكتبات العامة لأبحث عن محتويات هذه المكتبات وهل توفر الحد الأدنى من حاجة هذا الجيل المتعطش للمعرفة ؛ للأسف وجدت خراب مكتبة تحتوي على اكثر من عشرة الاف كتاب موقعها داخل المسجد الأقصى القسم الأصغر بها والذي يكاد ينقرض هو قسم تاريخ بيت المقدس التي لا تتجاوز اعداد كتبه المائة كتاب بعضها لا قيمة لها ولا موضوع ولا حتى مراجع ومصادر لمحتوياتها وقس على ذلك المكتبة الفخرية اسفل المسجد الأقصى والمكتبة الخالدية بباب السلسلة والتي جميع محتوياتها مخطوطات تخص عائلة الخالدي او كتب صوفية او دينية اما المكتبات التجارية التي ضمت الى رفوفها سبح وسجاد صلاة وعطور شيوخ السلفية ومعلقات للزينة آيات قرآنية وبعض الميداليات ومجسمات قبة الصخرة والمسجد الأقصى ولا اعلم متى يضيفون رفوف للعصائر وعلب التونة و اكياس الاندومي وزيت الزيتون والقلي وحالة كتبها لا تقل غرابة عن محتوى البضائع التي ذكرت / عين الحسد / تفسير الاحلام / تلبيس الجان / الأعور الدجال / مكتبتين في قلب مدينة القدس مساحة إحداها يتجاوز الـ 200 متر والأخرى 150 متر لم اجد كتب تتعلق بتاريخ مدينة القدس غير الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل والأخرى فاقت الأولى بنوع آخر وهو المفصل بتاريخ القدس .

وبعد هذا الشرح الموجز لحجم الكارثة نحمل هذا الجيل مسؤولية ضياعه وانه مستهتر ولا يقدر قيمة مدينته ولا قيمة المسجد الأقصى وأنه منفلت وجل همه صفحات التواصل الاجتماعي والانترنت ونحن أصلا لم نوفر له بدائل بل وفرنا ما يعزز ضياعه من فئات كتب لا تصلح لإخراج دجال أو مشعوذ.

لذلك علينا ان نعي حاجاتنا وطبيعة الظرف الذي نمر به من تجهيل وانحطاط وان نصف الطريق لهذا الجيل ليمتلك هذه الأرض معرفيا فإنه متعطش للمعرفة اكثر من جيلنا السابق له.