• 12 تشرين الثاني 2023
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : تحسين يقين

 

في الشهر الثاني لذبح غزة، يحاول من يقوم بالفعل والداعم له والساكت عن الفعل ذبح الإرادة الفلسطينية، وشرعية حق تقرير المصير؛ فالمفروض والمنطقي في أي صراع أن يصار لحله بالأساليب السلمية، وهذا ما يحفظ وجوه المتصارعين، وليس في هذا ما يعيب.

المفروض الآن، وقف القتل الجماعي للشعب الفلسطيني في غزة، ووقف الإجراءات الاحتلالية في الضفة الغربية، لأنه كما تعرف إسرائيل أكثر من غيرها، لن يكون هناك استسلام فلسطيني لها، وعليه، فمن يمتلك العقل والإرادة، ومن هو حريص على مستقبل السلام والأمن، أن يحترم كرامة الشعب الفلسطيني ويؤمن بحقه في تقرير مصيره.

لقد كثر الحديث عما بعد الحرب على غزة، وليت الحديث كان أكثر جديا وفعليا في وقف إطلاق النار، لا لثلاثة أيام حسب المقترح الأمريكي، لأجل ضمان إطلاق سراح بعض الأسرى، بل لضمان حق شعب بالحياة والتداوي.

في بداية الأسبوع السابق، تحدث مسؤولون أمريكيون عن ترتيبات انتقالية للإشراف على غزة، تستثني فيما يبدو حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وفي آخر الأسبوع، تم تعديل التصريح بترك الحكم لغزة لأهلها كي يختارون شكل الحكم، وفي الوقت نفسه، كما أكد الأمريكيون على ربط الضفة الغربية بقطاع غزة.

"حق تقرير المصير"، عبر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، هو من سينهي فقط هذا الصراع، لذلك فمن الضرورة أولا وقف الحرب، ثم ترك الفلسطينيين يختارون معا المناسب في مسألتي الحكم والإدارة، من خلال السلطة القائمة، كسلطة انتقالية، وهذا هو وصفها أصلا في الاتفاقيات، من أجل التحول الطبيعي الى دولة. وهكذا من هذا المنطلق، سيقبل الشعب الفلسطيني وجود قوى صديقة تمنع العدوان وتتواجد في بلادنا للتمهيد فعلا للتحول من المرحلة الانتقالية الى المرحلة الدائمة، أما عن تسليم قطاع غزة لمن تمت تسميتهم، فليس هذا إلا سطو على إرادة شعبنا، فشعبنا موجود، وهو قادر ان يحكم نفسه، ويدير بلده، عبر الانتخابات كوسيلة شرعية متفق عليها.

وبعد، فهل من ناصح لمن يقدم هذه المقترحات بالتريث قليلا، وبأن يفهم أن إدارة غزة وحكمها هو شأن فلسطيني داخلي، وهو مرتبط بمصير الضفة الغربية، فلا دولة في غزة ولا دولة دون غزة، وليس هناك من سيقبل ذلك.

حديث الولايات المتحدة وحلفائها عن الدولة الفلسطينية فيه غموض غير بناء، فكل الدلائل تشير الى نية الانتقاص من وحدة الضفة وغزة، فعن أي دولة فلسطينية يتم الحديث؟

كذلك فإن الافتراض الإسرائيلي والأمريكي في إنهاء ظاهرة مقاومة فصائل العمل الوطني والإسلامي في فلسطين بشكل عام وفي غزة بشكل خاص أمر غير محسوم، فلن تنتهي المقاومة فعلا الا بإنهاء الاحتلال، وهذا هو الضمانة. ويمكن فقط تأمل المشهد العام بعد انتهاء الحرب لنرى أن ما هو مقبول لدى شعبنا هو الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة التي تتلوها انتخابات، تفرز حكومة لإدارة الضفة وغزة معا، أما الحكم المستقبلي فتقرره منظمة التحرير التي تنضوي تحت جناحها فصائل العمل الوطني والإسلامي عبر اشتباك تفاوضي ينهي الاحتلال. فلماذا "بنلف وندور" في طريق ليس له نهاية؟ إنها حلقة مفرغة أو مشروخة، مهشمة، تطيل أمد الصراع-النزاع، أو في أفضل الحالات تعمل على استمرار إدارته كما فعلت إسرائيل منذ مؤتمر مدريد عام 1991.

الحقيقة الساطعة أن الشعب الفلسطيني صادق في التوجه نحو سلام حقيقي يحترم حقوقه وإرادته وكرامته، ولعل اللحظة الآن مناسبة للسير في طريق جاد نحو تحقيق السلام، لأن سياسة الأمر الواقع، وسياسة دفع الفلسطينيين لرفع الراية البيضاء ليس بحل، ولا خلاصا لأحد.

ان الموقف الإسرائيلي متباين، كذلك فإن موقف النافذين في الولايات المتحدة ليس موحدا، والجميع غير قادرين على الاستمرار بالحرب من الجو والبرّ والبحر، لذلك فإنه في ظل وقف الحرب ينبغي علينا الانتباه والتفكير في جملة أمور منها:

  • تمتين الموقف الفلسطيني، والتمسك بما أكده الرئيس على أن غزة جزء من الدولة الفلسطينية.
  • اعتبار المصالحة أمرا مفروغا منها، حيث يتم الإعلان عن حكومة وحدة وطنية، تدير الضفة وغزة، تحت شرعية السلطة الوطنية كذراع لمنظمة التحرير.
  • في ظل إجماع القوى الوطنية والإسلامية على المشروع الوطني الفلسطيني، فإننا نقطع الطريق على تشكيك حكومات إسرائيل بنوايا شعبنا وقياداته السياسية بأطيافها.
  • جعل مهمة حكومة الوحدة الوطنية إعمار غزة، والتوافق السياسي على أي عمل سياسي، بحيث يتم تأجيل الانتخابات، ويتم الاستعاضة عنها بالوحدة الوطنية، ومنح منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فرصة التحرك السياسي، باتجاه حل الصراع، مدعومة بالكل الفلسطيني، حيث يواكب ذلك مشاورات دائمة بين الأطر الوطنية والإسلامية.

هذا هو الفعل الفلسطيني الذي يرتقي لبناء مستقبل فلسطين، أما الفعل العربي، فيتمثل في التأكيد على أنه لا يمكن فعلا التطبيع إلا بعد حلّ القضية الفلسطينية حلا عادلا مرضيا للشعب الفلسطيني. كذلك، فإن الدعم العربي لفلسطين هو المعول عليه، بدلا من شروط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. 

نحن جميعا بحاجة لحاضنة عربية قوية تتبنى ما ذكرناه فعلا، لا مجاملة، ولعل العالم اليوم يشكل حاضنة إنسانية كبرى لإنصاف الشعب الفلسطيني. 

إن الوحدة الوطنية الفلسطينية ستكون عاملا قويا في تقوية الموقف العربي، لأن الحلقة القومية هي الحلقة الاستراتيجية القوية، وهي التي تشكل ضمانا لصمود شعبنا.

الطريق فعلا واضحة، ونحتاج صدق النوايا، فهل سنشهد صدق النوايا الوطنية والعربية والدولية؟

خلال الفترات الزمنية القادمة، ولتجنب وقوع حرب أخرى، من المهم التأثير على مواقف الحكومات بما فيها حكومة الولايات المتحدة وأوروبا، وحكومات الفاعلين: روسيا والصين وتركيا وإيران، وعدم الاكتفاء بالمواقف الشعبية العالمية التي مع توقف الحرب ستخف جذوتها، علما أنه يمكن بحث ديمومة الحفاظ على الرأي الشعبي العالمي.

المهم الآن وقف الحرب، وصفاء النوايا، وإلزام إسرائيل باحترام القانون الدولي والشرعية الدولية، عن طريق البدء بتعامل جاد وجديد، يفتح صفحة في هذا الصراع، لينهيه.